العنف الأسري

الأسرة هي المعنى الحقيقي للدفء والأمان والسكينة، هي المأوى والملاذ من ضغوطات الحياة وتحدياتها، هذه هي النظرة الصحيحة السوية لـ(الأسرة)، وهذا ما يفهمه ويحرص عليه العقلاء المتزنون من الناس، وهو الأساس الذي أمر الله عز وجل أن تبنى عليه الأسر، ولكن إذا اختلت الموازين، وتحّكمت الأهواء، وفسدت النفوس، فإن هذا المعنى الجميل للأسرة سيتلاشى، وستصبح لغة القسوة والشدة هي المهيمنة على جوّ الأسرة.

لقد كان العنف الأسري وما يزال مشكلة حقيقية تواجهها الكثير من الأسر في كل المجتمعات على حدّ سواء، وبنسب مقلقة، وفق ما تفاجئنا به تقارير منظمة الصحة العالمية سنوياً.

✔✔ما هو العنف الأسري؟ وما هي أسبابه ودواعيه؟ وما هي أشكاله؟ وهل هناك حلول لهذه الظاهرة؟

العنف الأسري (أو العنف المنزلي)، هو الإساءة المتعمدة بين أفراد الأسرة، كعنف الزوج ضد زوجته، أو الزوجة ضد زوجها، أو أحد الوالدين أو كليهما ضد الأبناء، أو الأبناء ضد الوالدين، أو العنف بين الأشقاء، … إلخ، وعادة ما يكون الطرف الأضعف هو الطرف المعنَّف (الذي يقع عليه العنف)، والطرف الأقوى هو الذي يمارس العنف.

للعنف الأسري أسباب كثيرة جداً، ويعود السبب الرئيس في وجود العنف إلى غياب الوازع الديني، والفهم الصحيح للإسلام، فالإسلام دين الرحمة، وهو الدين الذي جعل الحفاظ على الأسرة مقصداً مهماً من مقاصده، وهو الدين الذي فصّل في أحكام الأسرة تفصيلاً كبيراً، وبيّن ما يمكن أن يعتري العلاقات الأسرية من خلل، ووضّح بإسهاب طرق العلاج والإصلاح.

ومن أهم الأسباب لظاهرة العنف الأسري، والذي لا يمكن إغفاله هو التنئشة الخاطئة والبيئة السيئة التي نشأ فيها كلاً من الأب والأم، وأسلوب التربية الذي يمارسونه مع أبنائهم.  

ومن أسباب العنف الأسري كذلك تعرّض الأسرة لظروف معيشية صعبة، كتراكم الديون، أو فقدان الوظيفة، وما ينتج عن ذلك من توتر وضغوطات نفسية، تؤدي إلى ظهور العنف بين أفراد الأسرة.

ولا يمكن تجاهل الدوافع الاجتماعية، وما لها من أثر في ممارسة العنف بين أفراد الأسرة، فبعض العادات والتقاليد البالية تعطي الحق للرجل بتعنيف زوجه وأبنائه، أو تعطي الحق للأخ الأكبر بممارسة العنف ضد أخواته، وتربط هذا كله بتحقيق الرجولة.

ولا يغيب عنا أن اضطراب العلاقة بين الزوجين وعدم انسجامهما، مع فقدان لغة الحوار والتفاهم، يؤدي إلى أن تسود لغة القسوة والشدة بينهما، بدلاً من لغة التراحم والسكينة.

وقد تكون الرغبة في الانتقام دافعاً مهماً في ظهور العنف بين أفراد الأسرة، وكذلك دافع التأديب، والحصول على المال، والأمراض والاضطرابات النفسية المختلفة التي قد يعاني منها من يمارس العنف ، كالشعور بالنقص وتدني احترام الذات، وصعوبة التحكم بالغضب، وغيرها من الأسباب التي يصعب حصرها.

مخطئ من كان يظنّ أن حديثنا عن العنف الأسري يقتصر على العنف الجسدي (الضرب)، فللعنف أشكال كثيرة، تتفاوت في شدتها ووضوحها، فما هي أشكال العنف الأسري؟

  • العنف الجسدي: وهو الأبرز والأوضح، ويكون بإلحاق الضرر الجسدي، كالدفع والصفع، والركل، واستخدام الأدوات الحادة، وينتج عنه إصابة جسدية، وألم وإيذاء بدني.
  • العنف النفسي: وهو كثير الانتشار في المجتمعات، ويصعب تقدير أضراره، لعدم ظهورها كما هو الحال في
  • العنف الجسدي: ومن أشكال العنف النفسي: الغيرة الشديدة، والشكّ، ومحاولة فرض الرأي السيطرة على الطرف الآخر، والصراخ، والشتم، والإهانة، وتقييد الحرية، كمنع الزوجة من زيارة أهلها، والتجسس، والتجاهل، والانتقاص، وغيرها الكثير من أشكال العنف النفسي، والتي ترتبط بشكل أو بآخر بمرض نفسي أو اضطراب نفسي.
  • العنف المالي: ويكون بالتحكّم بالأمور المالية للأسرة، كأن يمتنع الأب عن الإنفاق على الأسرة وتوفير مستلزماتها، أو أخذ راتب الزوجة دون رضاها، أو سلب الأخ ميراث أخته .. إلخ.

كل هذه الأشكال وغيرها لا يرضاها الشرع ولا القانون، وترفضها الفطرة السوية، ويجب نشر الوعي بين أفراد الأسرة، للتخلّص من هذه الظاهرة، لما لها من آثار سيئة وخطيرة على كل فرد من أفراد الأسرة.

👈آثار العنف الأسري:

  • فالعنف الأسري أحد أسباب نشوء الأمراض والاضطرابات النفسية، التي قد تتطور وتؤدي إلى الانتحار.
  • يؤثر على الصحة العقلية للطفل، والتي تؤثر على مستقبله العلمي والمهني.
  • كما أنه أحد أسباب الأمراض الجسدية، كالضغط والسكري، وتشنجات القولون، وغيرها.
  • حدوث الطلاق وتشتت الأبناء.
  • تفكك الروابط الأسرية، وانعدام الإحساس بالأمان والاستقرار.
  • ولا شكّ أن تصدّع الأسرة يؤدي إلى تصدّع المجتمع، فالشخص المعنَّف قد تنشأ لديه سلوكيات عدوانية إجرامية، أو انحرافات، كمعاقرة الخمر وإدمان المخدرات.

يتسبب العنف الأسري في الكثير من النتائج السلبية غير المرغوب بها، سواء على الشخص المعنَّف، أم على الأشخاص المحيطين به الذي يشاهدون التعنيف.

👈حلول للعنف الأسري:

  • إحياء تعاليم الدين الإسلامي بين أفراد الأسرة، والتي تحثّ على التراحم والترابط وخفض الجناح والمعاشرة بالمعروف.
  • العلاج النفسي لمرتكب العنف الذي يمارس العنف على أفراد أسرته، من خلال معرفة الأسباب التي أدت إلى تكون السلوك العنيف لديه، وتدريبه على إدارة الغضب.
  • سنّ القوانين الرادعة لكل من يمارس العنف على أفراد أسرته.
  • عرض المعتدى عليهم على أخصائي نفسي، لعلاجهم من آثار العنف النفسية، وتجاوز التجربة السيئة التي مرّوا بها، ويعدّ هذا العلاج أمراً ضرورياً كذلك حتى لا يكتسبوا السلوكيات السيئة ويمارسوا العنف ضد الآخرين.
  • التوعية المجتمعية من خلال المحاضرات والندوات ووسائل التواصل الاجتماعي.